الحسين في الفكر المسيحي
إن الثورة التي فجرها الحسين بن علي عليه السلام، هي مرآة لشخصيته وترجمة لمبادئه ومثله، وأي تطرق لها كثورة، هو تطرق لثورته، فتكون الثورة بذلك هي الوجه الأساسي لها كثورة. هذه الثورة هي التي استلها المؤلف أنطون بارا عنواناً لمؤلفه هذا الذي تحدث فيه بإسهاب عن شخصية الحسين عليه السلام وحلل فيه أفكاره ومبادئه وخططه وأهدافه.... المرحلية الآنية منها والمستقبلية، فكانت الشخصية هي المبرزة بما تمثله من محصلة المبادئ؛ إذ منها انطلقت الأفكار والمثل، وفيها اختمرت المبادئ وفي أعماقها ربضت مثل الموحيات التي أبرزت إلى النور ما ظهر، سواء ما كان منه قولاً أو فعلاً أو مبدأ، أو ثورة... كفكرة، وكفعل، وكمعاناة، وكهدف آني ومستقبلي، وبالتالي كخطوة لها طابع مادي بطولي، يتصل بجانبه المادي هذا، بما تعارف عليه البشر من أفعال مادية بشرية صرفة، وفي هذا تعلة الثورة التي جمعت كل "الممكنات" في ثناياها الممكنات الروحية والزمنية والاجتماعية والمادية البطولية. لذا فمن منطلق هذه الرؤية الفكرية للمؤلف لمجمل شخصية الحسين تكون ثورته جزءاً م تكون هذه الشخصية، ومن ثم فهي مرحلة من مراحل سير مكوناتها وتأثيراتها بما تحمله من أفكار ومبادئ، حيث بدأت وانتهت في إحدى مراحلها، واستمرت في سيرها خالدة إلى أبد الدهور في مراحلها الأخرى. فكان حرياً بالمؤلف وقد تناول شخصية الحسين بما احتوته من أفكار ومبادئ ومواقف وأعمال، والثورة جزء منها، أن تكون هذه الشخصية هي محور البحث، وعنوان السيرة والثورة معاً، واعتبار الثورة جزءاً من الشخصية الشاملة ككل، مما يجدر معها أن تكون الشخصية هي الواجهة، لا الثورة التي هي جزء من مقومات ومحصلات الشخصية، وبالتالي يكون الحسين رضي الله عنه كممثل لهذه الشخصية ذات الخصائص والميزات القدسية والبشرية الفريدة في بابها... عنواناً لثورته ولا تكون ثورته عنواناً لشخصيته العظيمة، مما يجعل عبارة "الحسين في الفكر المسيحي" التسمية الأكثر ملاءمة لهذا المعنى.
من هذا المنطلق تكون رؤية الفكر المسيحي لشخصية الحسين وثورته هي ذات رؤية الفكر الإنساني لها، فالفكر المسيحي هو قاسم مشترك للفكر الإنساني، وجزء لا يتجزأ منه. هذا وإن أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ، سواء أكان مسيحياً أم غير مسيحي لدى قراءته للكتاب هو كيف أمكن الربط بين ثورة الإمام الحسين، وبين فكر أهل الكتاب؟ إذ لم يسبق هذا الربط أي اهتمام فكري مسيحي بعلم من أعلام الإسلام كما يأتي ما أورده هذا الكتاب ليكمل اهتمامات سابقة بهذا الصدد، وكان مكمن الغرابة، في كون المؤلف مسيحياً عربياً، فكانت هذه الصفة مكمناً إضافياً لجدة البحث، ودافعاً للاطلاع عليه حتى آخر سطر منه،
بهدف الوقوف التام على ما يمكن أن يضيفه هذا الفكر إلى ملحمة استشهاد الحسين من أبعاد جديدة.