وارثة المفاتيح
قليلة هي الأعمال الأدبية التي تمس حقيقة الإنسان وتطرح أسئلته الداخلية بكل صدق.. تحاوره في صمت. تجعله يُراجع قراراته الحياتية.. مثل هذه الروايات تحجز مكانا لها بقائمة الأعمال الإبداعية الخالدة. ونحن بكل حب نقدم لكم رواية سوسن جميل حسن الجديدة وارثة المفاتيح متمنين أن تحجز مكانها في قلوبكم وذاكرتكم وأن تستمتعوا بهذا الصدق الأدبي والبراعة النادرة في توصيف أسقامنا البشرية وبشريتنا السقيمة.
تدور أحداث الرواية خلال يوم صعب في سوريا ما بعد الحرب القائمة. تحكي لكم عن رضيّة بائعة ملابس البالة وزوجها الشرطي عفيف... وعن رجالات عصر من الظلم وقهر الإنسان لأخيه الإنسان!
من أجواء النص:
دويُّ الانفجار في تلك الساعة من نهارٍ صيفيٍّ كان هائلًا، ارتجَّت بسببه جدران البيت، والبيوت المُجاورة، وعبق الجو، ليس برائحة البارود فحسب، بل برائحة الموت ورائحة أجساد أنهكها الخوف والقلق، أبواق سيّارات الإسعاف تدوّي في المدينة، وصراخُ الحناجر المبحوحة، ودعاءاتها في صعودها إلى السماء، كلّ هذا الصخب والضجيج لم يُثر اهتمام الشرطي عفيف، كما كانت حوادث مثلها تفعل به بعد أن انزلقت البلاد إلى الحرب، وصارت التفجيرات تقض مضاجع الناس في طول البلاد وعرضها.
استيقظ باكرًا على صوتٍ كالمطارق يُصدِّع جدران رأسه من الداخل ويُلحُّ عليه كي ينهض، وكأن الشياطين استيقظتْ معه، بعد ليلٍ لم يكن عامرًا بالكوابيس كما كلِّ ليلة، عندما يبتلعه سردابُ النوم بعد أن يُعاين فحولته المهزومة أمام رضيَّة التي لا ترتوي. فنام إلى أن أيقظته المطارق، وهو الذي بقي يُطارد النوم الهانئ أكثر من خمسة وثلاثين عامًا، والنوم لا يأتيه إلا مُدجَّجًا بتلك الكوابيس اللعينة، نام بلا كوابيس، بلا أحلام، فهو منذُ طفولته الباكرة لم يحلم، حتى حين داهمته المُراهقة في قريته، كان يُقاومها مُختبئًا في ظُلمته من أشباح تُطارده كلما تفتَّح وعيُه على سؤال جديد، إلى أن صارت الأسئلة مقرونةً بالخوف، فروَّض نفسه على حياة بلا أسئلة حتى فقد الدهشة.