قضية المرأة هي قضية الإنسان والحرية الإنسانية. فحرية الرجل إذًا ترتهن بحرية المرأة، وعبودية المرأة. تلغي إمكانية إفادة الرجل من حريته، وتشلّ قدرته على توظيف هذه الحرية.
إن الإنسانًا آخر لا يمكن أن يكون إنسانًا حرا بل عبدٌ للخوف والشكّ والغيرة التملُّكيّة والحرص على احتياز البشر كالأشياء واقتنائهم كأدوات ووسائل.

إن أهم إشكاليات الحقبة الليبرالية التي وصفت بـ"النهضة" هي في تنافي التيارين الإسلامي-الإصلاحي والراديكالي-الليبرالي، والذي كانت النهضة ضحيته. والمطلوب كان تجاوز هذا التنافي إلى فلسفة نهضوية تعين القيم العربية والإسلامية المميزة لشخصيتنا الحضارية، وتستكمل بنسيج ثقافي عالمي يحال حول نواتها الصلبة.

إن أهل الحداثة السلفية أو غرباء الحداثة، وبأكثريتهم المتماهية مع الخارج والمتغايرة مع الإسلام، قد أسهموا في إحباط مشروع الأفغاني-محمد عبده الاجتهادي وفي تغييب لوثر العربي. وأزعم أيضاً أن الليبراليين المسيحيين المتوجسين من مخاطر الرابطة الإسلامية وظاهرة الخلافة أخطأوا في السجال الضدي مع هذا المشروع (كما فعل أنطون في سجاله ضد الإمام محمد عبده)... وأخطأوا في قطعهم مع الموروث الثقافي الإسلامي، ولم يدركوا طوباويتهم الفكرانية الماثلة في مشروع إصلاح مصر والعالم الإسلامي بفكر جاهز مكتمل يدقون به أبواب هذا العالم فلا يجدون إلا أبواباً موصدة.

"أبعد من الحرب" كتاب عصام محفوظ عن الحرب اللبنانية، ليس تاريخاً لوقائعها بقدر ما هو تركيز على إيقاعها، الإنساني والسياسي، المشحون بحدة الشهادة الجريئة الصادقة والصادمة، دوافعها وآفاقها ولحظات القاسية.

عصام محفوظ الذي كرس مسرحه، منذ نكسة حزيران حتى انفجار الحرب اللبنانية، لقضايانا الإنسانية والوطنية، يستبدل هنا الخشبة المسرحية بالصحيفة اليومية، لكنه يحتفظ بأسلوبه الذي يتناول فيه المأساوي والساخر (عندما تصير المأساة فوق مستوى الواقع) على محك ضمير وطني موحد وانتماء إنساني بلا حدود.

تمتد شهادة الكاتب من "حرب سنتين" إلى "مغامرة الإنقاذ والتحرير" إلى "المراوحة الدموية" غلى حروب "الطائف والجمهورية الثانية فإلى المستقبل...

من هنا العنوان الذي شاءه المؤلف تعبيراً يذهب "أبعد من الحرب" إلى الأجيال المعينة بنتائجها.

".. إنّ الحبّ لا منطقَ له، وإنّ الحياة أجملُ من أن تُبدَّدَ بالهروب من النفْس، وإنّ السعادة كنزٌ يَفْنى إنْ لم نَغرفْ منه، وإنّ الناس كاذبون جبناء في أغلب الوقت، وإنّنا حطّمنا جدرانَ خوفنا بأبهى طريقة، وإنّ الثورة الحقيقيّة هي الثورةُ على النفس، وإنّ الله ـ إنْ وُجد ـ فهو معنا، وإنْ لا شياطينَ إلّا في رؤوس مَن يبحثون عنها، وإنّ أجمل المخلوقات الأنثى، وإنّ اكتمالها بالرجل لا ينقصُ من جمالها أيَّ شيء. وعرفتُ لاحقًا أنّ الحياة تكون لئيمةً أحيانًا، وأنّ أرقى النظريّات حول الوجود والكون هي ما تقوله العصافيرُ والفراشاتُ والأرانبُ والزنابقُ والينابيعُ واليعاسيبُ وبناتُ آوى وقوسُ قزح، وأنّ الأديان بدعة بشريّة الربُّ منها براءٌ براءةَ الذئب من دم يوسف؛ وإلّا فما الحكمة من موت فيدرين بعد أيّام قليلة بهذا الشكل السخيف، وهي تعْبر الطريق، فتصدمها سيّارةٌ سوداء يقودُها أعمى بصيرةٍ، يماثل سوادُها سوادَ عالمي الذي أقبع اليوم فيه؟! ما معنى أن يموت المرء قبل ساعات قليلة من امتحانٍ حضّر طويلًا له؟! .. "



من قصة "فيدرين التي ... "

"تقدم الرواية تشريحاً بالغ الحساسية لعاطفة معقدة ووجود مركب هو الحب/الكره/انتقاء الحب أو انقضاؤه، وسبراً دقيقاً لجوانب مرهفة من هذا الوجود سلباً وإيجاباً من تواشج العالم الداخلي الجواني، بعالم الظواهر الخارجية على لسان مؤلفة قادرة على تجاوز الطابوهات المألوفة بفنية عالية وجرأة لا تساوم.

"كذلك تعتمد الرواية بشكل يكاد يكون مطلقاً على الفعل والتصرفات في بناء الشخصيات، حيث تستطيع بواسطة الأفعال "البسيطة" والعفوية والمشاعر المركبة إلى حد الإحراج، أن ترسم بحساسية شديدة خارطة داخلية للشخصيات، تضاف تفاصيل نمنماتها بعضها إلى بعض بتأن وسيطرة ذاتية نادرة وتحكم كبير بدقائقها وظلالها وألوانها، وبجرأة غير مهادنة على التعامل مع أكثر المشاعر الإنسانية هشاشة وإحراجاً في أشد المناطق حلكة في النفس البشرية.

آب 1949, يخيّم قائدُ كتيبة عسكريّة مع جنوده في بقعة من الصحراء النقب, يُشتبه في أنها ممرٌّ يسلكه المتسلّلون العرب. بعد أكثر من خمسة عقود, تنطلق فتاةٌ موظفةٌ فلسطينيّةٌ في رحلة صوب النقب ساعيةً إلى كشف ملابسات حادثة جرت في ذالك المعسكر, مستعينةً بتفاصيل ثانويّة شتّى.

نحن في هذه الرواية أمام الشعب الأفغانيّ الذي يواجه الرّعب في كل لحظة من لحظات حياته. يبدأ كل شيء عبر مجزرة ارتكبها الجيش السوفياتي بحق قرية أفغانية. ولم ينجُ من هذه المذبحة سوى جدّ عجوز وحفيده ياسين الذي أصيب بالصمم: "القنبلة كانت قوية جداً أسكتتْ كلّ شيء. اخذت الدبّابات أصوات الناس ورحلت". والدبّابات أخذت صوت الناس ومضت.

يروي الكاتب قصّة الرحلة التي يقوم بها الجدّ والحفيد للقاء والد ياسين. رحلة آلام عبر أفغانستان المهدّمة التي يلفّها الغبار والرّماد.

هذا النص تأريخ للنشاط الغنائي- الموسيقي الشامل في زمن الحرب، مركزاً على دلالات الأغنية السياسية وعلاقتها بالثقافة. وهو يتوجه إلى شريحة واسعة من القراء، ويشكل شهادة حية من قبل كاتب عاش وعانى وشارك وكان على علاقة بمن وبما يحكي عنه، لذلك يتمتع النص بقدر كبير من الحيوية والعفوية والمتعة.

إن هذا السجل هو المحاولة الأولى من نوعها لنقد الأغنية السياسية وتعميق تجربتها.

هذا هو الكتاب الأول الذي يتناول تجربة عربية استطاعت أن تهز مملكة المسرح العربي على مدى سنوات طويلة: تجربة مسرح الحكواتي اللبنانية. ويتم ذلك من خلال طرح أسئلة جوهرية، ليس فقط على البناء المسرحي التقليدي، بل أيضاً في تحويل وظيفة هذا البناء من خلال مجموعة من الطروحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتقدمة. أولها: تحول الصالة إلى المكان الأساسي للعرض، وثانيها: قصد الجمهور في أماكن إقامته، وثالثها: نظام الورشة بغير المعنى الغربي للكلمة.

تجربة لا تزال موضع أسئلة كبرى في العالم العربي وبعض دول أوروبا.

هذا كتاب مسرح. هذا كتاب حياة.

اضاءات نقدية و تحيات تحت ضوء الكاشف النقدي و نصوص على حافة الحياة لا الموت.

في فندق بارون الذي يحمل جزءًا من ذاكرة مدينة حلب، تحطّ هيلين، الفتاة اللندنيّة التي كانت ثمرة حبّ عابر بين والدتها كاترين وبين أحد زبائن الفندق من سكّان المدينة، في سبعينيّات القرن المنصرم. وهناك، تتعرّف إلى العجوز الأرمني كارو الذي لم يبارح الفندق منذ عدّة عقود، فتحاول نكش ذاكرته علّه يساعدها على معرفة ذلك السرّ الذي كشفته والدتها في رسالة كتبتها لها قبيل وفاتها بأيّام.